...

ياسر التلاوي يكتب: بلد كافيهات ومطاعم.. صحيح

 

بلد شهادات صحيح .. مقولة خالدة منذ عشرات السنين أطلقها زعيم الكوميديا عادل إمام وهو يؤدي دوره الشهير “دسوقي أفندي” ، سكرتير المحامي ، أمام أستاذ الفن فؤاد المهندس في مسرحية “أنا وهو وهي” .. لكن بمرور الأيام وبقدرة قادر تحولت هذه الجملة الشهيرة إلى “بلد كافيهات ومطاعم”.

وحتى لا تتسع مساحة الاستغراب من هذا التحول ، أو قل التحريف ، فإن من يتجول في شوارع مصر الآن ستنبهر عيناه بلا أدنى شك بالنهضة الحضارية المتميزة في تشييد الكباري والمحاور المرورية بصورة ليس لها مثيل أو سابق عهد بها على مر الزمان وذلك للقضاء على أزمة التكدس والزحام الخانقة والتي حولت الطرق والميادين إلى جراج كبير.

لكن في ذات التوقيت فإن هذا الإبهار سرعان ما سيتحول إلى مصدر دهشة واستياء بسبب المبالغة الرهيبة في عدد الكافيتريات والمطاعم التي تم انشاؤها أسفل هذه الكباري للدرجة التي دفعت الكثيرين للاعتقاد بل وللتأكيد بأننا أصبحنا أمام “كافيهات طلع لها كباري” ، وليس العكس.

يكفي أن نمر على أعداد هذه المحال الترفيهية والسياحية بمنطقة المريوطية أو بحي مدينة نصر لتكتشف أننا أصبحنا نواجه طوفاناً هائلاً من هذه الإنشاءات تشبه إلى حد كبير “ماسورة التوكتوك” التي غزت كل شارع وحارة في بلدنا المحروسة.

المثير والمستغرب والمؤسف في هذه الحالة أن هذا السلوك الاقتصادي الغريب لم يصدر عن رجال أعمال أو قطاع خاص أو حتى أفراد يفعل أي منهم ما يريد لجني “الأموال الساخنة” عبر “تقليب” جيوب المصريين ، ولكنه هذه المرة قامت به “الحكومة الرشيدة” والتي دخلت في سباق ومنافسة محمومة مع القطاعات السابقة للتكالب على التوسع المستهجن في إنشاء هذه الكافيهات والتي تزايدت عن كل الحدود خلال الفترة الأخيرة سواء داخل المدن أو على الطرق السريعة أو مناطق “تحت بير الكوبري” إذا جاز لنا التعبير.

فإذا كنا لا ننكر على الحكومة حقها ونتفهم تكالبها على توفير إيرادات مالية للوفاء باحتياجات الدولة والشعب .. فإننا نطرح التساؤل التالي : لماذا لم تتحول هذه الأموال الطائلة لتشييد مصانع إنتاجية أو حتى ورش للتصنيع الخفيف وذلك لتحقيق عدة أهداف استراتيجية في مقدمتها توفير فرص عمل وتخفيض فاتورة الاستيراد التي أصبحت عبئا لا يحتمل سواء على الحكومة التي تبذل كل ما في وسعها لتوفير “العملة الشاقة” ، وليس الصعبة ، أو على المواطن المصري الذي أصبح يكتوي كل يوم بلهيب ارتفاع الأسعار.

فالأمر الذي “يطير العقل” هو سعي الحكومة بكل ما أوتيت من قوة لانفاق الأموال وببذخ على المشروعات الاستهلاكية “التيك أواي” والتي تضعها نصب أعينها وعلى رأس أولوياتها ، فمن “العجب العجاب” أن تفاجأ بأن أقصى طموح أي شاب الآن أن يحصل على كافيه أو مطعم ، بينما انتهى إلى غير رجعة النظر إلى إنشاء مصنع أو ورشة.

لا خير فينا إن لم نقلها : ستظل دوامة الأزمات تحاصر الدولة المصرية إذا استمر هذا الوضع مع زيادة الأسعار العالمية وارتفاع الدولار ، فنحن لا نملك رفاهية “الكافيهات والمطاعم” .. ولا بديل أمامنا إلا الإنتاج ثم الإنتاج ثم الإنتاج .. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى