...

هل العقوبات ضد النيجر ستكون فاعلة؟ هل كانت عملية برخان فاشلة؟

 

نوران عز الدين تكتب

لا يزال من السابق لأوانه التحدث عن تأثير العقوبات ضد النيجر وأو التنبؤ بعدم فاعليتها مثلها مثل مالي وبوركينا فاسو، ولكن ما يمكن رؤيته في الحاضر هو أن النيجر هي واحدة من أفقر دول العالم، فعلى الرغم من مواردها من اليورانيوم والنفط، غير أنها تعاني من الجفاف والمجاعة، لذا تعتمد اعتماداً كبيراً على المساعدات الغذائية، حيث يصعب تجاوز الاعتبارات الإنسانية في هذا البلد.

يشكل الدعم المالي الدولي جزءاً هاماً من ميزانية الدولة، التي تمثل 40% من الانفاق وفقاً لما أشار له الرئيس بازوم الذي تم الإطاحة به.

تعرضت كل من مالي وبوركينا فاسو – وهما دولتان متجاورتان- لانقلابات خلال العامين السابقين، غير أن العقوبات التي تم فرضها على هذا النوع من المساعدات لم يكن لها الأثر المنشود على المجالس العسكرية. علينا أن نعي جيداً أن بلدان الساحل تقوم بشكل أساسي على الاقتصاد غير الرسمي، وأن العقوبات التي تستهدف ميزانية الدولة لم يكن لها تأثير سوى تأثيراً نسبياً على الشعب.

أن العديد من المنظمات الدولية، إلى جانب عدد من الدول من بينها فرنسا قد أعلنت وقف المساعدات الدولية للنيجر باستثناء المساعدات الإنسانية الطارئة، وذلك في أعقاب انقلاب 26 يوليو، كما فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أيضاً حصاراً عليها، وتعتبر العقوبات الأكثر فاعلية هي تلك التي تتعلق بصادرات الطاقة الكهربائية، حيث تعتمد النيجر في إمداداتها الكهربائية على نيجيريا بنسبة 70%، يذكر أن الرئيس النيجيري قد اتخذ قراراً بوقف هذه الصادرات، بيد أنه من غير المؤكد أن يتم الإبقاء على هذه العقوبات، لا سيما أن هذا القرار اتُخذ دون موافقة المسؤولين في شمال نيجيريا المعادين لهذا الأجراء.

هناك تباين في وجهات النظر داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (CEDEAO) فيما يتعلق بفرض العقوبات على النيجر.

ووفقاً للنخبة الافريقية المثقفة، فأن الشعب هو الأكثر تضرراُ بالعقوبات الاقتصادية، وهو أمر غير مستحسن.

علاوة على ذلك، تعتبر النيجر عضو في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب افريقيا، كذلك مالي وبوركينا فاسو، هذه المنطقة النقدية التي تتشارك في استخدام الفرنك الافريقي، تعتبر محدودة البلدان، لذا يصعب عليها الاستغناء عن هذه الدول الثلاثة بسبب خضوعهم لمجالس عسكرية.

فيما يتعلق بفرنسا، فقد تم طرح فكرة فرض عقوبات اقتصادية عبى بلدان الساحل منذ انقلاب مالي، وكانت المساعدات الإنمائية حينئذٍ تندرج ضمن استراتيجية أوسع نطاقاً تشمل مكافحة الإرهاب واستعادة سيادة الدولة، وقامت هذه الاستراتيجية على ثلاث ركائز هي: الدبلوماسية، الدفاع، والتنمية، ومع وقف التعاون العسكري والمساعدات الاقتصادية، لم يبقى سوى الأداة الدبلوماسية التي لا تزال حتة اللحظة غير مجدية.

واخيراً، أن وقف عملية البرخان وضع نهاية لاستراتيجية المساعدات الإنمائية في المنطقة.

 

زعزعة النفوذ الفرنسي في أفريقيا

أن الانقلاب الجديد في دول الساحل قد يضر بالاستراتيجية الفرنسية في المنطقة، فأن الفوضى التي سادت النيجر طيلة الأيام القليلة الماضية ليست الا تكرار للأحداث في بوركينا فاسو ومالي، هذه الدول الثلاثة المجاورة في منطقة غرب أفريقيا هي جميعها مستعمرات فرنسية قديمة تواجه الجماعات المتمردة، وتم الإطاحة بحكوماتها خلال السنوات الأخيرة، حيث تسببت هذه الانقلابات في أثارة الكراهية لدى السكان المحليين تجاه المستعمر القديم الذي لم يتخلى عن مستعمراته. تعتبر باريس هي كبش الفداء لهذه المنطقة الذي يكتنفها الفقر، وتعاني من أثار التغير المناخي وتصاعد الإسلام المتطرف.

لم تكن فرنسا تتوقع حدوث هذا الانقلاب في النيجر، فإنها لم تتعلم الدرس من تجربتها في مالي وبوركينا فاسو، وهو خير مثال لنظرية الدومينو على طريقة القرن الواحد والعشرين.

أن تغير النظام في النيجر قد يهدد بمصالح فرنسا، كذلك واشنطن، القوتان الغربيتان التي أرسلت جنود ومساعدات عسكرية واقتصادية للمنطقة في محاولة منهما لمساندة السلطات المحلية في مكافحة المتمردين، وقد ندد المجلس العسكري النيجيري بالاتفاقيات العسكرية مع فرنسا، واستنكرت باريس التي لا تعترف بالسلطة الجديدة هذا القرار.

أن مثل هذه الاحداث تزرع بذور الفتنة في البلدان المجاورة: مجموعة دول غرب افريقيا التي تزعزع استقرارها نتيجة لهذه الانتفاضات، فرضت عقوبات اقتصاديه على النيجر، ووجهت انذاراً للانقلابيين بالتدخل العسكري ان لم يتم إعادة الرئيس لمنصبة، فيما تدعم مالي وبوركينا فاسو- اللتان تعتبران حليفتان لموسكو – العسكريون المتمردون.

أن ما يقرب من نصف بلدان القارة الأفريقية هي مستعمرات فرنسية سابقة او دول تخضع تحت وصايتها، حيث حرصت فرنسا طيلة السنوات الماضية على إقامة علاقات وثيقة مع تلك الدول – وان كانت متضاربة في بعض الاحيان، لا سيما من خلال التواجد العسكري، والنفوذ الاقتصادي، والاتصال بالقادة المحليين، لقد أصبح الفرانس – افريك هاجس لدى الفرنسيين للحفاظ على وجودهم في القارة باي ثمن.

لم يتغير كثيراً الوضع في العديد من المستعمرات الفرنسية السابقة، بالرغم مما وعد به الرئيس الفرنسي عند انتخابه من تصحيح الأوضاع في القارة، حيث اعتادت فرنسا ان تنتهج نظام الوصاية في افريقيا من خلال إقامة علاقات قوية مع قادة البلاد الاستبدادين كالشاد والكاميرون.

لقد أصبحت نيامي حليفاً استراتيجياً للغرب في ظل قيادة الرئيس محمد بازوم، وتلقت العديد من المساعدات الخارجية. كما تم نشر الأف الجنود في البلاد من بينها: 1100 جندي أمريكي و1500 جندي فرنسي، غير أن مسألة تراجع النفوذ الفرنسي قد يثير الشكوك حول استمرار المساعدات، لا سيما على المستوى العسكري، فأن رحيل الجنود الفرنسيين سيعقبه على الأرجح انسحاب للجنود الامريكان،

أن الاحداث الأخيرة قد تعجل من رحيل القوات الأمريكية من النيجر – وهو أمر مخطط له من السابق – وإعادة نشرها في البلدان الساحلية غرب أفريقيا، ففي حالة مغادرة الجنود الفرنسية للنيجر ستصبح تشاد هي اخر دولة في منطقة الساحل تستضيف قاعدة عسكرية فرنسية على اراضيها بشكل رسمي.

على الصعيد الاقتصادي، فأن نيامي تمد فرنسا بما يقرب من 10 % من مواردها من اليورانيوم اللازمة لمفاعلاتها النووية.

ففي عام 2000، 10% من التجارة الدولية في افريقيا كانت تقوم على الشركات الفرنسية، فمنذ أن انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 5%، بادت فرنسا في عيون الشعب المحلي غير قادرة على اقتلاع جذور الجهاديين، واتسعت رقعة القلق في البلاد.

في يناير الماضي، أنهت بوركينا فاسو اتفاقها العسكري مع فرنسا، وغادر 400 جندي البلاد، حينذاك زعم الدبلوماسيون الفرنسيون وهيئة الأركان العامة أنهم تعلموا من أخطائهم، وأن باريس ستركز على دعم القوات المحلية عوضاً عن عملياتها الخاصة، ويبدو أن هذه المقاربة قد أتت ثمارها، حيث ترجع معدل العنف السياسي وانخفض عدد الضحايا من المدنيين في النيجر خلال النصف الأول من عام 2023.

كان يتعين على الرئيس الفرنسي أن يتحلى بالمزيد من التواضع في سياساته تجاه أفريقيا، فربما إذا ما اعتمد هذا النهج في السابق لم تصل الأمور لما هي عليه الآن.

“لقد اكتسبت فرنسا زخماً على الجبهة الميدانية وليس في قلوب عامة الشعب”.

 


 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى