...

رمضان في مصر “حاجة تانية.. فوانيس وياميش

 

لكل بلد طريقته الخاصة في الاحتفال بهذا الشهر الكريم التي تُظهرعاداته وتقاليده في الاحتفال بشهر الخير والبركة.

ولكن رمضان في مصر حاجة تانية” فإذا أردت أن تعرف كيف يختلف رمضان في مصر عن غيره من البلاد من حول العالم

فنهديك هذا التقرير الذي يريك حتماً جانباً مختلفاً من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان.

وكيف يستقبل المصريون شهر رمضان بطريقتهم الخاصة وما يصاحبه من احتفالات وما يرتبط به من عادات وتقاليد تمسك بها المصريون عبر عقود من الزمن.

ثبوت هلال رمضان..

فبعد ثبوت هلال رمضان في مصر تبدأ مظاهر الاحتفال بشهر رمضان بأن يتبادل الأهل والأصدقاء التهنئة بالطرق والوسائل المختلفة

وتبدأ صلاة التراويح مع أولى ليالي شهر رمضان المبارك حيث يتجمع الأصدقاء والجيران لأداء الصلاة جماعة

بعد أن يرتدوا الزي الرمضاني التقليدي المزخرف والمنقوش بالرسومات الإسلامية.

وبعد صلاة التراويح يتبادلون التهنئة بشهر رمضان، ويستريح الشباب قليلاً ليبدأوا أولى مباريات دوري كرة القدم الرمضاني الخاص بكل شارع

ويستمروا في لعب كرة القدم حتى قبل الفجر بساعة تقريباً ليعود كل منهم إلى بيته لتناول السحور مع أسرته.

كل ذلك في جو مفعم بالبهجة التي نشرتها زينة رمضان التي كست كل شارع وبيت مهما كانت إمكانياته المادية

وصوت المنشدين انطلق من مكبرات الأصوات في المساجد يُنْبأ عن ضيف حل ليُربت على القلوب المنهكة فينسيها ما حل بها طوال العام.

ثم قبل الفجر بحوالي ساعتين أو ثلاث ساعات يبدأ المسحراتي جولته في الشوارع موقظاً من نام ومنبهاً المستيقظ أنه قد اقترب وقت السحور.

ويتجول وبرفقته بعض الأطفال بفوانيسهم مرددين أغاني رمضان وأناشيده في فرح وسرور.

ويجتمع أفراد الأسرة ليتناولوا السحور وسط قرآن ما قبل الفجر وتواشيحه التي تعتبر سمة أساسية في هذا الشهر الكريم في مصر.

وبعد صلاة الفجر في جماعة تهدأ الأجواء ليسكن أغلب الناس بضع ساعات قبل أن يُعاودوا نشاطهم في اليوم التالي.

ومع حلول وقت الظهر تبدأ ربات البيوت في تجهيز وإعداد الأكلات الرمضانية والولائم والعزائم

وقد يجتمع بعضهن في بيت العائلة ليتشاركن في إعداد وليمة للعائلة بأكملها، فالتجمعات العائلية واللمة والإفطار الجماعي أهم ما يُميّز شهر رمضان لا سيما في مصر.

وتجد الأطفال يلهون ويلعبون طوال اليوم بالفوانيس، وقد يشاركون في إعداد الطعام

أو حتى قد ترسلهم أمهاتهم لتقديم أطباق من الحلوى للجيران، ويظل تبادل الحلوى مستمراً طوال شهر الخير.

ومن أهم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر هي موائد الرحمن، وهى موائد طعام تُنْصب في الشوارع لإطعام الصائمين.

ويتسابق المصريون في هذا الشهر الكريم إلى إطعام الصائمين

فمنهم من يقوم بتجهيز وجبات أُعدت في المنزل أو تجهيز المشروبات والتمر ويوزعها وقت آذان المغرب على الناس في الشوارع والطرقات.

وما أن يُأذن للمغرب حتى يتسابق الجميع في تقديم المشروبات لبعضهم البعض

ثم يؤدون صلاة المغرب في جماعة، ثم يتناولون طعام الإفطار سوياً ربما لأول مرة منذ رمضان في العام الذي يسبقه.

وفي بعض الأحياء في مصر – خصوصاً المناطق الشعبية التي يترابط أهلها – تجدهم يُخصصون يوماً لإفطار جماعي لكل العائلات في نفس الشارع

فكل عائلة تعد ما تستطيع من طعام، وقبل آذان المغرب تُرص الموائد وتعلوها أصناف وأنواع من الأطعمة التي أعدوها

وبعد الآذان يتناول جميع سكان الشارع طعام الإفطار مع بعضهم في منظر مهيب يكاد لا يتكرر في أي مكان في العالم إلا في مصر.

ومن المظاهر الطيبة في الاحتفال بشهررمضان في مصر هى “شنط رمضان”

حيث يقوم المصريون قبل شهر رمضان بتحضير وتجهيز شنط رمضان

فيقومون بشراء المواد الغذائية الأساسية وياميش رمضان بأعداد كبيرة وتقسيمه على شنط

أو حتى كراتين يطلق عليها “كراتين رمضان” وتوزيعها على الأسر الفقيرة حتى تستطيع تلك الأسر صيام شهر رمضان.

وفي العشر الأواخر من رمضان تجد مجموعات من الجيران من نفس الحى يجمعون ما يستطيعون من المال، كل على قدر استطاعته

ليشتروا قبل حلول عيد الفطر ملابس ليوزعوها على الأطفال الأيتام أو الفقراء ممن لا يستطيع أهلهم شراء ملابس العيد لهم.

كل ذلك وأكثر من أوجه الخير كمظهر من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر.

ومن بين الأنشطة التي تبرز بها فرحة الاحتفال بشهر رمضان هو تألق فانوس الشهر

فهو هدية جميلة يمكن لأي شخص تقديمها لشخص آخر، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا

فوانيس وزينة رمضان، مدفع الإفطار، موائد الرحمن، المسحراتي، كنافة وقطايف، وصوت النقشبندي يُطربنا ساعة الإفطار

والكثير من الطقوس التي ظهرت أولاً في مصر، قبل أن تنتشر في جميع أنحاء العالم العربي  والإسلامي أيضًا، وان كانت في مصر ذو مذاق خاص يختلف عن أي بقعة في العالم.

تبدأ نسائم شهر رمضان بمجرد أن ينتصف شهر شعبان، ويمكن لأي زائر أن يلاحظ احتفالات المصريين واستعداداتهم لاستقبال هذا الشهر

فيقوم الصغار والكبار بتزيين الشوارع والمحال والمنازل، تعبيراً عن استعدادهم لرمضان

ويبدأ الباعة الموسميين في بناء مواقع تجارتهم، فتمتلئ الشوارع بباعة الحلوى الشرقية، مثل الكنافة والقطايف

والمخللات المختلفة الملونة التي لا تكتمل موائد الإفطار سوى بها

إلى جانب انتشار محال وأكشاك بيع المشروبات الرمضانية الشهيرةمثل..قمر الدين، التمر الهندي، العرقسوس، السوبيا، وغيرها من المشروبات التي يحبها المصريين.

في كل شارع، في كل حارة، في كل حي، في كل قرية، أغنياء وفقراء، عادة مصرية تحولت الي تراث شعبي

أعتاد عليها كل طبقات وطوائف الشعب المصري، ما ان يهل شهر رمضان حتي يسارع الجميع صغار وكبار لتجهيز زينة شوارعهم

تلك الزينات التي بدأت في بدايات حكم الدولة الفاطمية، حيث كانت تُستخدم في الاحتفالات الدينية الذي كان يُطلق عليها “ليالي الوقود”

وهي الليالي الإسلامية الدينية الأربعة، أول ونصف أشهر رجب وشعبان فكانت تضاء المساجد بالقناديل والفوانيس وتتزايد الأطعمة والحلوى والبخور بكثرة.

راعي شئون الشارع..اسم كان يطلق علي مسئول شوارع القاهرة في العهد الفاطمي، وهو ما يوازي اليوم وزير التنمية المحلية

قبل بدء شهر رمضان بأيام معدودات، كان يأمر كل أصحاب المحلات بتنظيف الشارع كل ليلة بعد صلاة المغرب

وبوضع القناديل والفوانيس أمام محلاتهم للإضاءة، بالإضافة إلي تزيين الشوارع

ويعود السبب وراء ذلك أن أهالي المحروسة اعتادوا الخروج من منازلهم بعد الإفطار للاستمتاع بالمنشدين داخل الخيم الرمضانية التي كانت تعدها المقاهي.

فانوس رمضان..ما أن تهل علينا نسائم الشهر الكريم، حتي تخلع شوارع تلك المدينة الصاخبة عباءتها النمطية

لترتدي ثوبًا جديدًا زينته تلك المصابيح الملونة، أُطلقنا عليها منذ قديم الأزل اسم الفانوس

فبمجرد أن ينتصف شهر شعبان يخرج صانعوها من بياتهم الشتوي

ثم ينطلقوا إلي ورشهم ليبدأوا في صناعة فوانيس رمضان، تلك الفوانيس التي استقبل بها المصريين المعز لدين الله الفاطمي في رمضان

وكان ذلك يوم الخامس من رمضان عام 358 هجرية.

وطيلة أكثر من ألف عام يظل الفانوس رمز خاص بشهر رمضان في مصر

فقد انتقل هذا التقليد من جيل إلى جيل، وحتي اليوم يقوم الأطفال والصغار بحمل فوانيسهم طيلة شهر رمضان

والخروج إلى الشوارع مرددين بعض من أغاني الفولكلور الرمضاني، كأغنية “حلو يا حلو”، أو أغنية “وحوي يا وحوي”

ويحرص الصغار والكبار قبل بدء رمضان ببضعة أيام علي اقتنائه لتعليقه في الشوارع وأمام المنازل.

المسحراتي.. اصحي يا نايم اصحي وحد الدايم.. وقول نويت بكره ان حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. اصحي يا نايم وحد الرزاق.. رمضان كريم”

من منا لا يذكر تلك الكلمات، والتي أبدع في كتابتها الشاعر الكبير فؤاد حداد، وقام بتلحينها وغناءها الفنان الكبير سيد مكاوي

تلك الكلمات التي كانت عنوان لشهر رمضان الكريم، أضحت تراثًا إسلاميًا يرتبط بشهر الصيام.

وكلمة المسحراتي مشتقة من كلمة سحور، والمسحر هي وظيفة أو مهمة يقوم بها شخص لتنبيه المسلمين ببدء موعد السحور

وبدء الاستعداد للصيام، تبدأ تلك المهمة بانطلاق المسحر قبل صلاة الفجر بوقت كافي

يحمل في يده طبلة وعصا، ينقر عليها صائحًا بصوت مرتفع “اصحي يا نايم اصحي وحد الدايم”،

بدأت تلك الوظيفة مع بدء التاريخ الإسلامي، وكان بلال بن رباح اول مؤذن في الإسلام، اعتاد أن يخرج قبل صلاة الفجر بصحبة ابن أم كلثوم، ويقومان بمهمة إيقاظ الناس

فكان الأول يطوف بالشوارع والطرقات مؤذنا طوال شهر رمضان، فيتناول الناس السحور، في حين ينادي الثاني، فيمتنع الناس عن تناول الطعام.

قصة المسحراتي في مصر بدأت منذ ما يقرب من 12 قرن مضي، وتحديدًا عام 853 ميلادية

انتقلت مهمة المسحر إلي مصر، وكان والي مصر العباسي، إسحاق بن عقبة، أول من طاف شوارع القاهرة، ليلًا في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور

فقد كان يذهب سائرًا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط، إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي الناس بالسحور.

ومنذ ما يقرب من ألف عام، وتحديدًا في عصر الدولة الفاطمية أمر الحاكم بأمر الله، الناس أن يناموا مبكرا بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور

حتي تم تعيين رجلا للقيام بتلك المهة، أطلقوا عليم اسم “المسحراتى”، كان يدق الأبواب بعصًا يحملها قائلاً: “يا أهل الله قوموا تسحروا”.

كان “ابن نقطة”، المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون، وعلي يديه تطورت مهنة المسحراتي تم استخدام الطبلة، والتي كان يُدق عليها دقات منتظمة، وذلك بدلا من استخدام العصا

هذه الطبلة كانت تسمى “بازة”، صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتى دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة

فأصبح المسحراتي يشدو بأشعار شعبية، وقصص من الملاحم، وزجل خاص بهذه المناسبة.

مظاهر الاحتفال بشهر رمضان متعددة ومبهجة في ذات الوقت، وقضاء رمضان في مصر أمر حقاً يستحق التجربة.

و لا يوجد أفضل من آيات الله التي نختم بها ، حيث يقول الله سبحانه و تعالى{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ و اليوم الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}

لا بد لنا من اتباع الرسول الكريم في كل فعل أو قول ليس فقط في رمضان و لكن في كل الأوقات .

فكما عرفنا أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يغتنم أيام رمضان اغتناما عظيما

و ذلك لانه يدري خير هذه الأيام ،لذلك أوصانا الرسول الكريم بالاجتهاد في العبادات

و التقرب إلى الله من خلال قيام الليل ،و الصدقات ، و تلاوة القران و الاعتكاف و تصفية النية إلى الله.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى