...

تحت قياده البروف فيريرا.. الزمالك من القاع إلى القمة

نهار ممطر على مدينة ميرانديلا شمال شرق البرتغال ، الكهل ذو السادسة والسبعين يرتشف القهوة صُحبة السيدة زولميرا زوجته ، يُخبرها عن تجربة أخيرة غير مكتملة في بوافيشتا بعد أُخرى مثلها في أمريكا الجنوبية رفقة سانتوس ، أما آن للجسد أن يستريح ؟ حياه كاملة مع كرة القدم حقق فيها كل شئ ودبت قدماه في أربع قارات وكُتِب إسمه في تاريخ البرتغال كواحد من أعظم مدربيها ، حسناً ، سنكمل ما تبقى لنا من أيام بجوار العائلة التي حُرمنا منها كثيراً .

 

الساعة تقترب من السادسة مساءاً ، يُخبره مدير أعماله بأنه تلقى اتصالا هاتفيا من شخص يُدعى ” أمير مرتضى منصور” يرغب في التحدث إليه حينما يصبح وقته مناسباً !

 

الرجل الذي اتخذ للتو قرارا باعتزال التدريب بدأت تلمع عيناه ويخفق قلبه وهو يتذكر ذاك النادي القابع في ميت عقبة ، شريط من الذكريات يمر أمام عينيه على هيئة لقطات مشوشة ، سترة بيضاء خالية من أي نقوش يرتديها في ملعب بتروسبورت ، جمهور لا يتعدى العشرات بالمدرجات لكنه رآهم بمئات الآلاف في الشوارع عشية الفوز بالدوري ، فوز يتحقق بالزي الأزرق على المنافس التقليدي بنهائي كأس مصر بأقدام فتى أشعث سطر معه المجد وضاقت به الدنيا من بعده ، و..ومشهد لا يحب تذكره كثيرا ، رئيس النادي في مقابلة تليفزيونية على منصة تتويج الأهلي بالسوبر يصفه بالفاشل بعد مباراه أضاعها كهربا من بين يديه بدلا من أن يعانق مجد الثلاثية، ثم …سيد جيسوالدو ؟ سيد جيسوالدو ؟ ينتبه مرة أخرى ليجد مدير أعماله لا زال واقفا يستجدي الاجابة بعد أن ظل واقفا قرابة الثلاث دقائق دون رد ، أخيرا جاءت الإجابة ، اتصل به الآن .

 

مكالمة لم تستغرق أكثر من دقائق عشر ،أخبره فيها أمير عن رغبة النادي في التعاقد معه ، حدثه فيها سريعا عن موقف الفريق في الدوري وبطولة أفريقيا والتفاصيل المالية للعرض وعن دعم الادارة للقرار ، الرجل بدوره لم يعبأ كثيرا بكل تفاصيل المكالمة وكأنه لم يسمع شيئا، فقد كان للعاطفة دورا يفوق أي دور للعقل والمنطق ومن ثم جاءت الإجابة حادة وقاطعة : أوافق !

 

(٢)

 

الساعة تقترب من الواحدة بعد منتصف ليل القاهرة ، حالي كمشجع للزمالك ليس بأفضل حال ، فقد رحل الفرنسي كارتيرون بعد مقامرة غير محسوبة بمباره لعبها أمام سموحة بالبدلاء بغرض تجهيز الأساسيين لمباراتي أفريقيا ضد ساجرادا والوداد ، انتهت بخسارة امام سموحة و تعادل مع ساجرادا وخسارة من الوداد بثلاثية ، يا لك من أحمق أيها الفرنسي الأنيق !

 

تأتينا الأخبار بصعوبة بالغة عن المدير الفني الجديد ، تقريبا لا توجد أي معلومات متاحة ، الصفحات والمواقع تضرب الودع تكهناً بالإسم المنتظر بعد أن أعلن رئيس النادي عن أول حروف إسمه (ر) وسبق وأن عمل بالسعودية ، الرئيس يتلاعب بالجمهور على أغلب الظن .

 

وسط كل التكهنات يأتي الصحفي الموثوق أحمد الهواري بمنشور على صفحته بكلمات مقتضبة مفادها أن فيريرا قام بسؤال أحد المقربين منه بمصر عن فندق الماريوت الذي كان يقيم به من سبع سنوات ! لا أكثر ولا أقل .

 

أسأل نفسي بدوري مع قليل من الانبهار على طريقة محمد شرف في فيلم “اسف على الازعاج” هل حقا سنفعلها ؟

 

ذكرياتي مع الرجل كانت فاصل من السعادة لا يشوبه سوى الحسرة بأنه رحل !

 

صباح اليوم التالي بدأت التأكيدات تأتي من مصادر عدة ، الحلم أصبح حقيقة ، رسمياً : جيسوالدوا فيريرا مديراً فنيا ً للزمالك .

 

الأيام تمر سريعاً ويُعلن ميعاد الوصول لمطار القاهرة ، الرجل لا زال أنيقاً ويسير بخطى ثابتة رفقة مساعديه في صالة استقبال المطار متوجهاً صوب ستاد القاهرة ليسجل ظهوره الأول مشاهداً لمباره الفريق أمام الجونة من المقصورة وأبناء الملكي ينتصرون بثنائية تحت قيادة ابن النادي أسامة نبيه .

 

في اليوم التالي يتم تقديم البروف بأفضل صورة ويقود مرانه الأول تحت مظلات النوستالچيا التي طالما أثبتت فشلها معنا وتجاربنا الثانية مع كابرال وهنري ميشيل وباتشيكو ليست علينا ببعيد ، مباراه الوداد على بُعد ثلاثة أيام من الآن .

 

بداية مخيبة للآمال وضياع فرصة التأهل من دور المجموعات في لحظات هي الأسوأ في الموسم ، يالها من بداية ظالمة ! للمرة الأولي يستخدم الجمهور خيار العقاب الفوري للاعبين فور نهاية المباراة ، السباب يطول الجميع دون تفرقة ، الفتى المغربي المدلل ينال القسط الأكبر من ردة الفعل الغاضبة ، اللعب أمام فريقك السابق ليس مبرراً لرعونة كتلك يا بن شرقي .

 

مباراتان بلا أي دوافع أمام بيترو أتليتكو وساجرادا ينتهيان بالتعادل السلبي ، لا أداء ، لا أهداف ، لا شئ .

 

الآن نحن مقبلون على مباراه من العيار الثقيل ، بيراميدز الأفضل في كل شئ ، لكن الله أنعم على ايهاب جلال بنعمة الفشل أمام الفرق الكبرى و الكارثية في ادارة لقاء هو الطرف الأضعف فيه ، هدف بنهاية الشوط الأول لعمر السعيد أعاد لنا الأمل قبل أن يحرز امام عاشور في الشوط الثاني وينهي المباراه لصالحنا في توقيت مثالي لا يتحمل المزيد من التعثر ، عبرنا بيراميدز .

 

المقاصة فريقٌ بالمتناول ، ننتصر بهدف وحيد ولا زالت الشكوك تحيط بكل ما يخص الفريق ، فيريرا يعتمد ظاهرياً على ال٤-٣-٣ التي طالما ساعدته كثيراً ، هل اسلام جابر هو معروف يوسف ؟ بالطبع لا .

 

تعادل معبر عن كل شئ أمام فاركو بلا أي هجمات تقريباً ، الشاب سيد نيمار يعوض ايقاف بن شرقي بلا أي مؤشرات للتحسن ، انتصار على الاتحاد بهدفين للا شئ و يعقبه بأيام على نفس الملعب إنتصاراً آخر على المصري بمثلهم ، الفريق يبدي ردة فعل رائعة بعد التأخر بهدف، هنالك مؤشرات للتحسن لكن فيريرا لا زال تائهاً .لا بأس فالنتائج تساعد على التطوير بهدوء .

 

مباراه عصيبة أمام ايسترن كومباني لم نتوقعها كذلك ، بعد التقدم بهدف عمر السعيد جاء التعادل في منتصف الشوط الثاني ، لا ، ليس هذا دفاع البرتغالي الذي عهدناه ، بعد التسعين يشعل زيزو الملعب ويتجه عارٍ نحو المدرجات كالمجذوب ليحمله رجل الإسعاف في لقطة من لقطات الموسم ، الأدرينالين يسير في العروق للمرة الأولى هذا الموسم ، حققنا ثلاثة انتصارات متتالية ، ربما بدأت الماكينة في تطليع القماش ورحمة الله على الزملكاوي الراحل فؤاد المهندس .

 

ندخل مباراه إنبي بمعنويات مرتفعة ، الفارق الافتراضي مع المنافس نقطة وحيدة ، الصاعقة تنزل بهدفين ، الغضب يزداد ، نخسر المباراه الثانية خلال اسبوع أمام الجيش بهدف حتى بعد أن عاد عواد للتشكيل الأساسي بديلاً لابو جبل ، وعاد روقا لوسط الملعب تعويضا لغياب طارق حامد للإيقاف ،الفارق يزداد لسبع نقاط ، الغضب يصل منتهاه ، ضاع الموسم ، أشباه اللاعبين يجب أن يرحلوا واحداً تلو الآخر ، هل هذا هو ونش الموسم الماضي ؟ من هذا ال” روقا” المحسوب علينا متوسط للميدان ؟ هل من العدل خسارة مكان لمحترف لحساب المثلوثي !؟

 

السؤال الأهم الآن : هل فيريرا هو الرجل المناسب ؟ السؤال الذي كان طرحه على استحياء على مدار الأسابيع الماضية لا مشكلة في طرحه على العلن الآن ، عامل السن يجب أن يوضع في الاعتبار ، عقارب الساعة لا تدور للوراء ، مجرد مؤشرات للتطور غير كافية ، التسليم والتسلم على الأرض دون لعب كرات طولية غير كافي لصنع فريق بطل ، الآن علينا أن نعلنها : التفكير في الموسم المقبل !

 

الإدارة لا تخرج بأي تصريحات عن مصير المدرب عكس المعتاد ، الغضب جماهيري فقط في لعبة تبادل للأدوار وكأننا في الكاميرا الخفية ، هل من المعقول أن تطالب الجماهير بالتغيير ويدعم مرتضى الاستقرار؟

 

البرتغالي العجوز يقرر الكفر بال٤-٣-٣ ويلعب للمرة الاولى بثلاثة مدافعين ، نفوز على أسوان بصعوبة بالغة بهدفين لهدف في كأس مصر وتصدي عواد لركلتي جزاء ، انتصار على الاسماعيلي في الدوري يعقبه انتصاراً آخر على الداخلية في كأس هذا العام ولا دليل على أي تطور يُذكر والموسم الصفري يلوح بالأفق ، الأدهى من ذلك : سنلاقي الأهلي بعد أيام !

 

يوم المباراه ، طارق حامد ذهب بلا عودة ، أبو جبل يشعر بأنه أكبر من الفريق ويقرر مشاهدته من التلفاز ، تأخر الجزيري في العودة من تونس فكان عقاب البرتغالي فورياً بالاستبعاد ، الفارق النظري يصل للخمسة نقاط ، سيتسع الفارق اليوم لثماني نقاط بلا شك ويُهدم المعبد على رأس قاطنيه .

 

الشوط الأول من اللقاء معبراً عن كل ما سبق ، ستكون النتيجة تاريخية ، بارك الله لنا في مهاجمي الأهلي لرفضهم زيادة الأهداف عن الهدف الواحد .

 

الثورة تبدأ الآن ، الشوط الثاني على وشك الانطلاق ، الساعة الآن التاسعة بتوقيت القاهرة ، أعدك يا صديقي بأن تتذكر تلك اللحظة جيداً ، الاضاءة خافتة بملعب السلام ، الزي الأزرق يكتسح الآن كل شبر بالملعب ، يأتي التعادل ، فيريرا يعلن أنه الحاكم الأوحد في الميدان ، يتلاعب بقطع الشطرنج ويغير طريقة اللعب ويتفوق بلا رحمة ، تغييرات تعطيه الأفضلية في كل رهاناته على الشباب ، التقدم يأتي بقدم شيكابالا ، تنتهي المباراه بالتعادل ولكن الزملكاوي بداخلك يعلم جيداً أنه ثمة شئ قد تغير الآن ، وقد كان !

 

المنافس يتكفل بخسارة الخمسة نقاط الافتراضية بخسارة امام سموحة و تعادل أمام الجونة في جولتين متتاليتين ، في مقابل اكتساح تام للزمالك تحت أعين الذئب البرتغالي الذي ينجح في حصد ١٢ نقطة من أربعة مباريات أمام البنك الأهلي و سيراميكا والمقاولون والمحلة !

 

أداءاً ونتيجة ، شباب الزمالك يُقسمون بأن الموسم لن ينتهي إلا وهم أبطالاً ، عاد الونش لمستواه ، انفجر إمام عاشور ، وجد الجزيري ضالته ، تبدل المثلوثي بلاعب آخر عرفناه على استحياء نهاية الموسم الماضي ، لا أحد بعيداً عن التألق .

 

سنلعب الثلاث مباريات المتبقية دون بن شرقي ، لا بدلاء بعد رحيل اوناجم وسيسيه ، لا نملك الآن سوي فيريرا حقاً وصدقاً ، تسعة نقاط متاحة أمام سموحة وفيوتشر وبيراميدز ، فكم نستطيع أن نحصد منها ؟

 

أنت الآن تقرأ الرقم صحيحا ً : حصدنا التسع نقاط كاملة !

 

الزمالك يتوحش ، لا أجد تعبيراً أفضل من ذلك ، الزمالك يكتسح الأخضر واليابس أمام سموحة ، رأسية الونش تجيب عن كل الأسئلة أمام فيوتشر ، ومباراه بيراميدز كانت كفيلة بأن ترى درع الدوري للمرة الأولى على بعد خطوات ليست ببعيدة عنك .

 

المنافس يواصل السقوط ، يظهر بيراميدز منافساً جديداً لنا لكن بعد فوات الأوان !

 

من يستطيع ايقاف قطار انتصارات الزمالك ؟ لا أحد ، رباعية في الجونة ثم خماسية في المقاصة ولا زال البروفيسور مهيمناً على كل تفاصيل الفريق ، غاب من غاب ورحل من رحل ولكن جيسوالدو لا زال على الخط وهذا يكفي .

 

الزمالك على بعد خمسة نقاط من الدرع ، فوز صعب على فاركو يختصر المسافات لثلاثة ، قبل أن يتكفل بيراميدز باهدار ثلاثة نقاط أمام فيوتشر و يُعلن رسمياً الآن : الزمالك بطلاً للدوري .

 

نعم ، لقد فعلناها ، الزمالك بطلاً للدوري الأصعب في تاريخه .

 

فريق بلا صفقة واحدة لفترتي انتقال ، يرحل عنك أبرز لاعبيك خلال الموسم في أصعب توقيتاته ، بدلاً من الإدارة الواحدة ثلاث ! والله لو كان جبلاً لسقط !

 

سأظل ممتناً لكل لاعب، لكل فرد من الجمهور آمن بالزمالك وقت أن كفر به الجميع ، لكن يظل إمتناني للسيد جيسوالدو فيريرا يتعدى حدود العقل ، من حوّل الحجر لذهب ، من صنع جنتنا من جحيم الفشل ، من جعلنا نصرخ بأعلى صوتنا : الدوري في ميت عقبة .

شكراً فيريرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى